بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة:يبحث كثير من الناس في كل زمان ومكان عن السعادة (كبيرهم وصغيرهم رجالهم ونساؤهم), بعضهم يجدها في جمع
المال (كالذي إذا شعر بصداع وضع ورقة من البنكنود على جبينه فيزول الصداع فورا (يشعر هو بذلك)), وبعض الناس يجدونه في
الرئاسة (على كل مستوياتها), والبعض الآخر يجده في
الحرية (طالما أنه يفعل الذي يريده أيا كان فهو يشعر بالسعاة), الى غير ذلك, فأي من هؤلاء سعيد؟
من صور السعادة
1) قارون (جامع المال):
(إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ, وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ, قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ, فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ, وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ, فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ, وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ)(76-82 سورة القصص)
قارون الغنى, لما تكبر كانت نهايته الخسف, فهل كانت السعادة في المال حقا؟, ليست السعادة في المال مجردا.
2) الجاه والسلطان:{وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ, قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ, وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ, آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ, فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ} (88-92 سورة يونس)
فرعون صاحب السلطان, لما تكبر وتجبر كان نصيبه الغرق, فهل كانت السعادة في السلطان؟
دعنا نواصل بحثنا عن السعادة, فلتكن السعادة اذا في الحرية (أي أفعل ما يتماشى مع شخصيتي وميولي ومزاجي وهوى نفسي), نعم بذلك أكون قد أصبت السعادة من بابها أليس كذلك؟.
3) الهوى:{يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} (26 سورة ص), {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى, فان الجنة هي المأوى} (40 سورة النازعات).
نكتفي بما تقدم فان السعادة الحقيقية ليست في المال ولا في السلطان ولا في الهوى, كل ذلك وغيره أودى بصاحبه الى الهلاك والخسران؛ لأن السعادة آنذاك كانت وهمية؛ لأنها زالت, أما التي نبحث عنها هي السعادة الحقيقية المستمرة.
وحتى لا نقع فيما وقع فيه غيرنا في بحثهم عن السعادة (غفر الله لنا ولهم) فإننا سنلجأ الى كتاب الله وسنة رسول الله لنعرف من السعيد؟, ومن الشقي؟, ومعيارنا في القياس أن الفائز هو الذي يفوز في النهاية بالجنة. دعنا الآن نرتع في رياض القرآن وبستان السنة لنتعرف عن السعادة الحقيقية:
أولا: القرآن الكريم:
{...فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ}(185سورة آل عمران).
{وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ}(108سورة هود).
{وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى}(124 سورة طـه).
ثانيا: السنة النبوية الشريفة:
- حدثنا الخليل بن عمرو حدثنا محمد بن سلمة الحراني عن محمد بن إسحق عن حميد الطويل عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يؤتى يوم القيامة بأنعم أهل الدنيا من الكفار فيقال اغمسوه في النار غمسة فيغمس فيها ثم يقال له أي فلان هل أصابك نعيم قط فيقول لا ما أصابني نعيم قط ويؤتى بأشد المؤمنين ضرا وبلاء فيقال اغمسوه غمسة في الجنة فيغمس فيها غمسة فيقال له أي فلان هل أصابك ضر قط أو بلاء فيقول ما أصابني قط ضر ولا بلاء". (سنن ابن ماجة, 37- كِتَاب الزُّهْد,ِ بَاب الزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا).
بعد هذه المقدمة (نأسف لطولها) ندخل الى موضوعنا الذي نحن بصدده؛ لأنه لو عرف الانسان الهدف الذي من أجله خلق لعرف بالتالي كيف يكون سعيدا, ولا يشغل نفسه بشيء آخر, علينا أن نعرف ما هو المطلوب منا في هذه الدنيا حتى تتم لنا السعادة فعلا في الدنيا والآخرة.
علينا أن نضع أمام أعيننا بشيء من الاهتمام بعضا من الأسئلة التي سوف نجيب عليها تباعا إن شاء الله وقدر, ألا وهي:
لماذا خلق الله الجن والشيطان الرجيم؟
لماذا خلق الله الملائكة؟
لماذا خلق الله الكائنات؟
لماذا خلقت؟
ما الذي يميز الإنسان عن بقية المخلوقات؟
هل خلق الله تبارك وتعالى هذا الكون كله عبثا؟
(حاشا لله جل شأنه وتقدست أسماؤه وتعالى جده ولا اله غيره)
ما هو مفهوم الابتلاء؟
[color:f5f4=#993300:f5f4]هل الانسان مخير أم مسير في عبادته لله؟
نبدأ رحلتنا مستعينين بالله وهو ولي التوفيق, وهو المستعان, وللأمانة العلمية فمعظم هذه المادة من سلسلة الحقائق العظمى ل د.محمود بن عبد الرازق غفر الله له وثبته وأعانه ورزقه الفردوس الأعلى ورفقة النبي وآله وصحابته, ورزقنا (أمة المصطفى صلى الله عليه وسلم) الإخلاص في القول والعمل, وغفر لنا التقصير والتفريط. اللهم آمين.