[ من الرياضات الشرعية المسابقة على الإبل ]
ومن الرياضات الشرعية أيضا: المسابقة على الإبل، وقد فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفعله أصحابه والمسلمون بعدهم , وفي صحيح البخاري، والمسند، وسنن أبي داود، والنسائي، عن حميد الطويل، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «كان للنبي صلى الله عليه وسلم ناقة تسمى "العضباء" لا تسبق، أو لا تكاد تسبق، فجاء أعرابي على قعود فسبقها، فشق ذلك على المسلمين حتى عرفه، فقال: حق على الله أن لا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه» , وفي رواية للنسائي، عن حميد، عن أنس رضي الله عنه قال: « سابق رسول الله صلى الله عليه وسلم أعرابي فسبقه، فكأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجدوا في أنفسهم من ذلك، فقيل له في ذلك، فقال: حق على الله أن لا يرفع شيء نفسه في الدنيا إلا وضعه الله» ، وكذا رواه الدارقطني في سننه، من طريق النسائي.
وفي رواية لأبي داود، عن ثابت البناني، عن أنس رضي الله عنه قال: « كانت العضباء لا تسبق، فجاء أعرابي على قعود له، فسابقها فسبقها الأعرابي، فكأن ذلك شق على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: حق على الله عز وجل أن لا يرفع شيء إلا وضعه» ، ورواه البخاري تعليقا.
وفي سنن الدارقطني عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: « كانت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم القصوى، لا تدفع في سباق إلا سبقت، قال سعيد بن المسيب: فجاء رجل فسابقها فسبقها، فوجد الناس من ذلك أن سبقت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبلغ ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن الناس لم يرفعوا شيئا من هذه الدنيا إلا وضعه الله عز وجل», وفي رواية له، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «كانت القصوى لا تسبق، فجاء أعرابي على بكر، فسابقه فسبقها فشق ذلك على المسلمين، فقالوا: يا رسول الله، سبقت العضباء، وقال النبي صلى الله عليه وسلم إنه حق على الله أن لا يرفع شيئا من الأرض إلا وضعه» .
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: تأمل قوله: "أن لا يرفع شيء" وفي اللفظ الثاني "أن لا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه" فجعل الوضع لما رفع أو ارتفع، لا لما رفعه سبحانه، فإنه سبحانه إذا رفع عبده بطاعته وأعزه بها، لا يضعه بها. انتهى.
[ من الرياضات الشرعية المسابقة على الأقدام ]
ومن الرياضات الشرعية أيضا: المسابقة على الأقدام، وقد فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفعله أصحابه والمسلمون بعدهم ,وروى الشافعي، وأحمد، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، وابن حبان، والبيهقي، عن عائشة رضي الله عنها:أنها كانت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، قالت: فسابقته فسبقته على رجلي، فلما حملت اللحم سابقته، فسبقني، فقال: "هذه بتلك السبقة". وفي رواية: "أنهم كانوا في سفر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: تقدموا، فتقدموا. ثم قال لعائشة: سابقيني، فسابقها، فسبقته، ثم سافرت معه مرة أخرى، فقال لأصحابه: تقدموا، ثم قال: سابقيني، فسبقته، ثم سابقني وسبقني فقال هذه بتلك" .
وفي المسند وصحيح مسلم عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه في حديثه الطويل، في غزوة ذي قرد، قال: "ثم أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم وراءه على العضباء، راجعين إلى المدينة، قال: فبينما نحن نسير، قال: وكان رجل من الأنصار، لا يسبق شدا، قال فجعل يقول: ألا مسابق إلى المدينة؟ هل من سابق؟ فجعل يعيد ذلك , قال: فلما سمعت كلامه، قلت: أما تكرم كريما، ولا تهاب شريفا؟ قال: لا، إلا أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: قلت: يا رسول الله، بأبي وأمي ذرني فلأسابق الرجل، قال: إن شئت، قال: قلت: أذهب إليك، وثنيت رجلي، فطفرت فعدوت ,قال: فربطت عليه شرفا أو شرفين أستبقي نفسي، ثم عدوت في أثره فربطت عليه شرفا أو شرفين، ثم إني رفعت حتى ألحقه، قال: فأصكه بين كتفيه، قال: قلت: قد سبقت والله، قال: أنا أظن، قال: فسبقته إلى المدينة" .
قال النووي: قوله: شدا، يعني: عدوا على الرجلين، وقوله: فطفرت، أي: وثبت وقفزت، وقوله: فربطت عليه شرفا أو شرفين أستبقى نفسي، معنى ربطت: حبست نفسي عن الجري الشديد , والشرف: ما ارتفع من الأرض، وقوله: أستبقي نفسي بفتح الفاء، أي: لئلا يقطعني البهر. وفي هذا دليل لجواز المسابقة على الأقدام، وهو جائز بلا خلاف إذا تسابقا بلا عوض، فإن تسابقا على عوض ففي صحتها خلاف، الأصح عند أصحابنا: لا تصح، قلت: وهو مذهب مالك وأحمد.
[ من الرياضات الشرعية المصارعة ]
ومن الرياضات الشرعية أيضا: المصارعة، وقد روى أبو داود، والترمذي، والبخاري في التأريخ، من حديث أبي جعفر بن محمد بن ركانة، عن أبيه: "أن ركانة صارع النبي صلى الله عليه وسلم فصرعه النبي صلى الله عليه وسلم" قال الترمذي: هذا حديث غريب، وإسناده ليس بالقائم، قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في الإصابة: وقصة الصراع مشهورة لركانة.
لكن جاء من وجه آخر: أنه يزيد بن ركانة، فأخرج الخطيب في المؤتلف من طريق أحمد بن عتاب العسكري، حدثنا حفص بن عمر، حدثنا حماد بن سلمة، عن عمرو بن دينار، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: "جاء يزيد بن ركانة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعه ثلاثمائة من الغنم، فقال: يا محمد، هل لك أن تصارعني؟ قال: وما تجعل لي إن صرعتك؟ قال: مائة من الغنم، فصارعه فصرعه , ثم قال: هل لك في العود؟ فقال: ما تجعل لي؟ قال مائة أخرى، فصارعه فصرعه. وذكر الثالثة، فقال: يا محمد، ما وضع جنبي في الأرض أحد قبلك، وما كان أحد أبغض إلي منك، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله. فقام عنه، ورد عليه غنمه".
وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى: روى أبو بكر الشافعي بإسناد جيد، عن ابن عباس رضي الله عنهما: "أن يزيد بن ركانة صارع النبي صلى الله عليه وسلم فصرعه النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات، كل مرة على مائة من الغنم" وذكر بقية القصة بمثل ما في رواية الخطيب.
وذكر ابن إسحاق: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعرض غلمان الأنصار، فمر به غلام فأجازه في البعث. وعرض عليه سمرة بن جندب رضي الله عنه فرده، فقال: لقد أجزت هذا، ورددتني، ولو صارعته لصرعته. قال: فدونكه، فصارعه فصرعه سمرة، فأجازه" ورواه ابن عبد البر في الاستيعاب بنحوه.
[ من الرياضات الشرعية الرمي ]
ومن الرياضات الشرعية أيضا: الرمي ونحوه، مما فيه إعانة على الجهاد في سبيل الله عز وجل؛ وقد روى الإمام أحمد، والبخاري، عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: "مر النبي صلى الله عليه وسلم على نفر من أسلم ينتضلون، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ارموا بني إسماعيل، فإن أباكم كان راميا، ارموا وأنا مع بني فلان. قال: فأمسك أحد الفريقين بأيديهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما لكم لا ترمون؟ قالوا: كيف نرمي وأنت معهم؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ارموا وأنا معكم كلكم" .
قال الجوهري: ناضله، أي: راماه، يقال: ناضلت فلانا فنضلته إذا غلبته، وانتضل القوم، وتناضلوا، أي: رموا للسبق، وفلان يناضل عن فلان، إذا تكلم عنه بعذره ودافع.
وقال الإمام أحمد، رحمه الله تعالى، في مسنده: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا سفيان، عن الأعمش، عن زياد بن حصين، عن أبي العالية، عن ابن عباس، رضي الله عنهما، قال: "مر النبي صلى الله عليه وسلم بنفر يرمون، فقال رميا بني إسماعيل، فإن أباكم كان راميا" .
ورواه ابن ماجه في سننه، عن محمد بن يحيى، والحاكم في مستدركه، من طريق إسحاق بن إبراهيم الصنعاني، وأحمد بن حنبل، كلهم عن عبد الرزاق به، وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي في تلخيصه.
وروى الحاكم أيضا: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "خرج النبي صلى الله عليه وسلم وقوم من أسلم يرمون، فقال: ارموا بني إسماعيل، فإن أباكم كان راميا، وأنا مع ابن الأدرع، فأمسك القوم قسيهم، فقالوا: يا رسول الله من كنت معه غلب، قال: أرموا وأنا معكم كلكم" قال الحاكم صيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي في تلخيصه. وروى الحاكم أيضا: عن محمد بن إياس بن سلمة، عن أبيه، عن جده، رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على ناس ينتضلون، فقال: حسن هذا اللهم، مرتين أو ثلاثا، ارموا وأنا مع ابن الأدرع، فأمسك القوم بأيديهم، فقالوا: لا والله لا نرمي معه، وأنت معه يا رسول الله، إذاً ينضلنا، فقال: ارموا وأنا معكم جميعا.قال: فلقد رموا عامة يومهم ذلك، ثم تفرقوا على السواء، ما نضل بعضهم بعضا" قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي في تلخيصه.
وروى الإمام أحمد، وأهل السنن، من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنة: صانعه الذي يحتسب في صنعته الخير، والذي يجهز به في سبيل الله، والذي يرمي به في سبيل الله. وقال: ارموا، واركبوا، وأن ترموا خير لكم من أن تركبوا. وقال: كل شيء يلهو به ابن آدم فهو باطل، إلا ثلاثا: رميه عن قوسه، وتأديبه فرسه، وملاعبته أهله؛ فإنهن من الحق" قال الترمذي: هذا حديث حسن، وصححه ابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم، ووافقه الذهبي في تلخيصه.
وعند الحاكم في أوله قصة، ولفظه عن خالد بن زيد الجهني، قال: "كنت راميا أرامي عقبة بن عامر رضي الله عنه، فمر بي ذات يوم، فقال: يا خالد اخرج بنا نرمي فأبطأت عليه , فقال: يا خالد، تعال أحدثك ما حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقول لك كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. إن الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنة: صانعه الذي احتسب في صنعته الخير، ومنبله، والرامي.
ارموا واركبوا، وأن ترموا أحب إلي من أن تركبوا، وليس من اللهو إلا ثلاثة: تأديب الرجل فرسه، وملاعبته زوجته، ورميه بنبله عن قوسه، ومن علم الرمي ثم تركه، فهي نعمة كفرها" وقد رواه سعيد بن منصور، والنسائي بنحو هذا اللفظ.
وفي رواية أبي داود: "ومن ترك الرمي بعد ما علمه، رغبة عنه، فإنها نعمة تركها" أو قال: "كفرها"، ورواه أبو داود الطيالسي، والدارمي في مسنديهما بنحو ما تقدم،وعندهما في آخره وقال: "من ترك الرمي بعد ما علمه، فقد كفر الذي علمه" .
وفي صحيح مسلم عن الحارث بن يعقوب، عن عبد الرحمن بن شماسة "أن فقيما اللخمي، قال لعقبة بن عامر رضي الله عنه: تختلف بين هذين الغرضين، وأنت كبير يشق عليك؟ قال عقبة: لولا كلام سمعته من رسوله الله صلى الله عليه وسلم لم أعانه، قال الحارث: فقلت لابن شماسة: وما ذاك؟ قال: إنه قال: من علم الرمي ثم تركه فليس منا، أو قد عصى" .
وفي المسند، وصحيح مسلم، وجامع الترمذي، عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ستفتح عليكم أرضون، ويكفيكم الله، فلا يعجز أحدكم أن يلهو بسهمه" .
وفي المسند أيضا: عن أبي أمامة بن سهل، قال: "كتب عمر رضي الله عنه إلى أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه أن علموا غلمانكم العوم، ومقاتلتكم الرمي. فكانوا يختلفون إلى الأغراض...الحديث" قال أهل اللغة: العوم: السباحة.
وروى عبد الله بن الإمام أحمد في زوائد الزهد، وأبو نعيم في الحلية عن بلال بن سعد رحمه الله تعالى قال: "أدركتهم يشتدون بين الأغراض، ويضحك بعضهم إلى بعض، فإذا كان الليل كانوا رهبانا".
وذكر الشيخ: أبو محمد المقدسي في المغني، عن مجاهد قال: "رأيت ابن عمر رضي الله عنهما يشتد بين الهدفين، إذا أصاب خصلة، قال: أنا بها أنا بها" وعن حذيفة رضي الله عنه مثله، وذكر الطبراني عن مصعب بن سعد قال: "كان سعد رضي الله عنه يقول: أي بني تعلموا الرماية، فإنها خير لعبكم".
وذكر الشيخ أبو محمد المقدسي أيضا: عن مجاهد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الملائكة لا تحضر من لهوكم إلا الرهان، والنضال" قال الأزهري: النضال في الرمي، والرهان في الخيل، والسباق فيهما.
وذكر الشيخ أيضا: "أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقوم يربعون حجرا، يعني: يرفعونه، ليعرفوا الأشد منهم، فلم ينكر عليهم".
قال القرطبي: لا خلاف في جواز المسابقة على الخيل وغيرها من الدواب، وعلى الأقدام، وكذا الترامي بالسهام، واستعماله الأسلحة، لما في ذلك من التدريب على الحرب. انتهى. فهذا ما تيسر ذكره من رياضات المسلمين ولهوهم المباح، وفيها كفاية لكل مسلم.
ومن لم يكتف بالرياضات الشرعية، ولم يسعه ما وسع السلف الصالح، فلا كفاه الله، ولا وسع عليه في الدنيا والآخرة، ومن آثر الرياضات الإفرنجية على الرياضات الشرعية، فذلك عنوان على زيغ قلبه، عياذا بالله من موجبات غضبه.
من كتاب الدرر السنية في الأجوبة النجدية
المجلد 15 الجزء 3 الصفحة 2
[/center]