فتاوى
من المعلوم أن الملكين الموكلين بسؤال الميت في القبر عن ربه ودينه ونبيه هما منكر ونكير، فهل ورد شيء عن كيفية سؤالهما للأموات إذا دفن أكثر من شخص؟ خصوصاً أن الميت تعود له روحه بمجرد انصراف أهله عنه، ثم يسأل، كما ورد عن المصطفى -صلى الله عليه وسلم- بالدعاء للميت بالثبات لأنه يسأل؟
الإجابة: الشيخ / عبد الرحمن بن ناصر البراك الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد
الملائكة عالم من عوالم الغيب الذين أخبر الله عنهم في كتابه في آيات كثيرة، وأخبر عنهم الرسول –صلى الله عليه وسلم- وقد دلت النصوص على أنهم أصناف، فمنهم الموكل بالوحي كجبريل -عليه السلام- ومنهم الموكل بالقطر كميكائيل، ومنهم الموكل بنفخ الصور وهو إسرافيل، ومنهم خزنة الجنة وخزنة النار، ومنهم الموكل بنفخ الروح في الجنين، ومنهم الموكل بقبض أرواح العالمين وهو ملك الموت وأعوانه، ومنهم الموكل بسؤال الميت في قبره.
وأكثر الأحاديث فيها ذكر سؤال الميت في قبره عن ربه ونبيه ودينه، وأنه يأتيه ملكان يسألانه، وهذه هي فتنة القبر، فأما المؤمن فيقول: ربي الله ونبيي محمد وديني الإسلام، وأما المنافق فيقول: ها ها لا أدري سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته.
وقد جاء في سنن الترمذي (1071) تسمية الملكين بالمنكر والنكير.
وعالم الملائكة لا تحيط به عقول البشر، فالله تعالى أعطاهم من القدر مالا يخطر بالبال، فملك الموت الموكل بقبض الأرواح يتولى قبض كلِّ من حضر أجله مهما كانوا كثرة، وإن اتحد الزمان وتباعد المكان، وهذا فوق تصور عقول البشر، وفي بعض المخترعات الحديثة التي يمكن أن يتعامل معها ملايين الناس كالإنترنت ما يعطي شيئاً من التصور عن بعض أمور الغيب ويقربها للعقول، فهي آية من آيات الله، وهذه الغيوب التي أخبرت عنها النصوص فوق ما يخطر بالبال أو يدور في الخيال، وكما قلنا في ملك الموت وما أعطاه الله من القدرة على قبض أرواح الألوف أو مئات الألوف في لحظة واحدة، نقول مثله في الملكين الموكلين بسؤال الميت في قبره، والواجب على المسلم الإيمان بكل ما أخبر الله به ورسوله والتسليم لذلك، وإن عجزت العقول عن تصوره، وفي مثل هذا تتجلى حقيقة الإيمان، فإن الإيمان هو الإيمان بالغيب، كما قال تعالى: "هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب" [البقرة: 3-2]. فلا يجوز معارضة النصوص بتصورات العقول القاصرة الناقصة، بل يجب أن تكون العقول تابعة منقادة لهدى الله الذي بعث به رسله، فبه العصمة من الضلال والشقاء، قال تعالى: "اهبطا منها جميعاً بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا يضل ولا يشقى" [طه: 123]. والله أعلم.
المصدر: موقع نور الإسلام
يقول ابن تيمية: ( والأرواح مخلوقة بلا شك ، وهي لا تنعدم ولا تفنى ولكن موتها بمفارقة الأبدان ، وعند النفخة الثانية تعاد الأرواح إلى الأبدان) ،وقد تعرض شارح الطحاوية لهذه المسألة ، فقال: " واختلف الناس هل تموت الروح أم لا ؟ فقالت طائفة : تموت لأنها نفس ، وكل نفس ذائقة الموت..... وإذا كانت الملائكة تموت فالنفس البشرية أولى بالموت ، وقال آخرون ، لا تموت الأرواح ، فإنها خلقت للبقاء ، وإنما تموت الأبدان ، قالوا : وقد دل على ذلك الأحاديث الدالة على نعيم الأرواح وعذابها بعد المفارقة إلى أن يرجعها الله في أجسادها. والصواب أن يقال : موت النفوس هو مفارقتها لأجسادها وخروجها منها ، فإن أريد بموتها هذا القدر ، فهي ذائقة الموت ، وإن أريد أنها تنعدم وتفنى بالكلية فهي لاتموت بهذا الاعتبار ، بل هي باقية بعد خلقها في نعيم أو في عذاب ...... وقد أخير سبحانه أن أهل الجنة ( لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى ) وتلك هي مفارقة الروح الجسد"
الفرق الإسلامية في هذا الموضوع على أقوالالأول : مذهب أهل السنة والجماعةويرون أن الروح منفصلة عن الجسد ومتصلة به ، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية ( العذاب والنعيم على النفس والبدن جميعا باتفاق أهل السنة والجماعة ، تنعم النفس وتعذب منفردة عن البدن ، وتعذب متصلة بالبدن ، والبدن متصل بها ، فيكون النعيم والعذاب عليهما في هذه الحال مجتمعين ، كما يكون للروح منفردة عن البدن )
الثاني: قول كثير من أهل الكلام من المعتزلة وغيرهموهؤلاء ينكرون النعيم والعذاب في البرزخ مطلقا ، والسر في ذلك أنهم ينكرون وجود روح مستقلة عن الجسد ، فالروح عندهم هي الحياة ، ولا تبقى الروح في نظرهم بعد الموت، فلا نعيم ولا عذاب حتى يبعث الله العباد، قال بذلك بعض المعتزلة والأشاعرة كالقاضي أبي بكر ، وهذا قول باطل لا شط في بطلانه خالفه أبو المعالي الجويني ، وقد نقل غير واحد من أهل السنة الإجماع على أن الروح تبقى بعد فراق البدن وأنها منعمة أو معذبة
الثالث : قول الفلاسفةوهؤلاء يرون أن النعيم والعذاب على الروح وحدها، وأن البدن لا ينعم ولا يعذب ، وقد قال بهذا القول من أهل السنة ابن ميسرة وابن حزم
الرابع : قول من قال من علماء الكلام: أن الذي ينعم ويعذب في القبر البدن وحده ، وقد بذلك طائفة من أهل الحديث منهم ابن الزاعوني
الروح تسري في بدن الإنسان كله يقول ابن تيمية ( لا اختصاص للروح بشيء من الجسد ، بل هي سارية في الجسد كما تسري الحياة التي هي عرض في جميع الجسد ، فإن الحياة مشروطة بالروح، فإذا كانت الروح في الجسد كان فيه حياة ، وإذا فارقته الروح فارقته الحياة )
هل للروح كيفية تعلم ؟لما كانت الروح مخلوقة من جنس لا نظير له في عالم الموجودات فإننا لا نستطيع أن نعرف صفاتها ، فقد عرفنا الله أنها تصعد وتهبط ، وتسمع وتبصر وتتكلم إلى غير ذلك ، إلا أن هذه الصفات مخالفة لصفات الأجسام المعروفة ، فليس صعودها وهبوطها وسمعها وبصرها وقيامها وقعودها من جنس ما نعرفه ونعلمه ، فقد أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن الروح يصعد بها إلى السماوات العلى ، ثم تعاد إلى القبر ساعة من الزمن ، وقد أخبرنا أنها تنعم أو تعذب في القبر ، ولا شك أن هذا النعيم على نحو مخالف لما نعلمه ونعرفه
الأوقات التي يكره فيها الدفن يكره دفن الميت عند طلوع الشمس وعند غروبها ، وحين يقول قائم الظهيرة ، فعن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه قال ( ثلاث ساعات كان ينهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصلي فيها أو نقبر فيهن موتانا حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع ، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس وحين تضيف للغروب حتى تغرب ) رواه مسلم . ويجوز دفن الميت ليلا ، فقد دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل الذي كان يرفع صوته بالذكر ليلا ، فعن ابن عباس رضي الله عنهما ( أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل قبرا ليلا فأسرج له سراجا ، فأخذه من قبل القبلة وقال : رحمك الله ، إن كنت لأواها تلاء للقرآن وكبر عليه أربعا ) رواه الترمذي بإسناد حسن . وقد دفن أبو بكر الصديق وعثمان بن عفان رضي الله عنهما ليلا. أما إذا لم يكفن الميت الكفن الجيد، ولم يصل عليه فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يدفن في الليل
الإسراع بالجنائز عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( أسرعوا بالجنازة ، فإن تكن صالحة فخير تقدمونها إليه وإن تكن سوى ذلك فشر تضعونه عن رقابكم) متفق عليه ، ويستحب القيام عند مرور الجنازة كما جاء عنه عليه الصلاة والسلام ( إذا رأيتم الجنازة فقوموا حتى تخلفكم أو توضع) رواه مسلم
صفوف المصلين على الجنازة يستحب جعل صفوف المصلين على الجنازة ثلاثة ، لحديث أبي أمامة قال ( صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على جنازة ومعه سبعة نفر فجعلا ثلاثة صفا واثنين صفا واثنين صفا ) حديث حسن
غسل الشهيد عن جابر رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم ( ادفنوهم في دمائهم يعني شهداء يوم أحد ولم يغسلهم ) رواه البخاري، وهذا الحديث دل على عدم تغسيل شهداء المعركة . وإن حمل المجروح وبه رمق وطالت حياته أو أكل أو شرب غسل وصلي عليه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ( غسل سعد بن معاذ صلى عليه وكان شهيدا ) ، والشهيد إذا كان جنبا يغسل لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم أحد : ( ما بال حنظلة بن الراهب ؟ إني رأيت الملائكة تغسله ، قالوا : إنه سمع الهائعة فخرج ولم يغتسل) أخرجه الحاكم في المستدرك
النهي عن الجلوس والمشي على المقابر عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم( لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه ، فتخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر ) رواه مسلم. وجاء في صحيح مسام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها )ا، كما يكره المشي على القبور بالنعال كما نهى النبي صلى الله عليه وسلم صاحب السبتين قائلا ( يا صاحب السبتيتين ألق سبتيتيك ، فنظر الرجل فلما عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم خلع نعليه فرمى بها ) أخرجه أحمد
بناء القبور ورفعها لم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم تعلية القبور ولا بناؤها بآجر ولا بحجر ولبن ولا تشييدها وتطيينها ولا بناء القباب عليها فكل هذا بدعة مكروهة مخالفة لهديه صلى الله عليه وسلم وقد بعث علي بن أبي طالب إلى اليمن ألا يدع تمثالا إلا طمسه ولا قبرا مشرفا إلا سواه فسنته صلى الله عليه وسلم تسوية هذه القبورالمشرفة ، وقال الشوكاني: والظاهر أن رفع القبور زيادة على القدر المأذون فيه محرم محرم وقد صرح بذلك أصحاب أحمد وجماعة من أصحاب الشافعي ومالك ، وقال ابن حجر : وتجب المبادرة لهدم المساجد والقباب التي على القبور إذ هي أضر من مسجد الضرار لأنها أسست على معصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه نهى عن ذلك ، وأمر بهدم القبور المشرفة وتجب إزالة كل قنديل أو سراج على القبر
التعزية تسن التعزية مرة واحدة لما فيها من التعاون والتراحم والثواب العظيم ، كما جاء عنه صلى الله عليه وسلم( من عزى أخاه في مصيبته كساه الله حلة خضراء يحبر بها يوم القيامة ، قيل يا رسول الله ما يحبر ؟ قال : يغبط ( أخرجه الخطيب وله شاهد . والتعزية لجميع أهل الميت الكبار والصغار والرجال والنساء ، ووقتها قيل قبل الدفن وقيل بعده والأفضل بعده لأن أهل الميت مشغولون بتجهيزه ، ولأن وحشتهم بعد دفنه أكثر لفراقه. ومدتها إلى ثلاثة أيام ، إلا إذا كان المعزي أو المعزى غائبا فلا بأس بالتعزية بعد ثلاثة أيام
ومن ألفاظها:
إن لله ما أخذ وله ما أعهطى ، وكل شيء عنده بأجل مسمى فتصبر ولتحتسب
أعظم الله أجرك ، وأحسن عزاءك وغفر لميتك
وأما الجواب : فيقول : آمين أو يقول للمعزي آجرك الله
زيارة القبور تسن زيارة القبور للرجال للإتعاظ فإنها تذكر الآخرة وترق القلب وتدمع العين ، ولنفع الموتى بالدعاء والاستغفار لهم، فقد زار النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه فبكى وأبكى من حوله فقال ( استأذنت ربي في أن استغفر لها فلم يؤذن لي واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي فزوروا القبور فإنها تذكر الموت ) رواه مسلم . قال ابن القيم: كان هديه صلى الله عليه وسلم إذا زار قبور أصحابه يزورها للدعاء لهم والترحم عليهم والاستغفار لهم وهذه هي الزيارة التي سنها لأمته وشرعها لهم وأمرهم أن يقولوا ( السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله الله بكم لاحقون نسأل الله لنا ولكم العافية)
قال ابن القيم رحمه الله في كتابه " الروح ":
[ وقد شرع النبي صلى الله عليه وسلم لأمته إذا سلموا على أهل القبور أن يسلموا عليهم سلام من يخاطبونه فيقول ( السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ) وهذا خطاب لمن يسمع ويعقل ولولا ذلك لكان هذا الخطاب بمنزلة خطاب المعدوم والجماد . والسلف مجمعون على هذا وقد تواترت الآثار عنهم بأن الميت يعرف زيارة الحي ويستبشر به] ولا يسمع الميت إلا إذا ردت إليه الروح كما في الأحاديث الصحيحة التالية:
جاء أن الميت يسمع قرع نعال أصحابه بعد وضعه في قبره ، فعن أنس بن مالك ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( إن العبد إذا وضع في قبره ، وتولى عنه أصحابه ، إنه ليسمع قرع نعالهم .....)، ووقف الرسول صلى الله عليه وسلم بعد ثلاثة أيام من معركة بدر على قتلى بدر من المشركين فنادى رجالا منهم فقال ( يا أبا جهل بن هشام ، يا أمية بن خلف ، يا عتبة بن ربيعة ، يا سيبة بن ربيعة ، أليس قد وجدتم ما وعد ربكم حقا ؟ فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقا ) فقال عمر بن الخطاب : ( يا رسول الله ! كيف يسمعوا أنى يجيبوا وقد جيفوا ) قال : ( والذي نفسي بيده! ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ، ولكنهم لا يقدرون أن يجيبوا ثم أمر بهم فسحبوا ، فألقوا في قليب بدر ) رواه البخاري . وقد ساق ابن تيمية جملة من الأحاديث تدل على أن الموتى يسمعون ، ثم قال ( فهذه النصوص وأمثالها تبين أن الميت يسمع في الجملة كلام الحي ، ولا يجب أن يكون السمع له دائما ، بل قد يسمع في حال دون حال ، كما قد يعرض للحي ، فإنه يسمع أحيانا من يخاطبه ، وقد لا يسمع لعارض يعرض له )، وقد أجاب شيخ الإسلام على إشكال من يقول : إن الله نفى السماع عن الميت في قوله ( إنك لا تسمع الموتى ) وكيف تزعمون أن الموتى يسمعون ؟
فقال : ( وهذا السمع سمع إدراك ليس يترتب عليه جزاء ، ولا هو السمع المنفي بقوله ( إنك لا تسمع الموتى ) ، فإن المراد بذلك سمع القبول والامتثال ، فإن الله جعل الكافر كالميت الذي لا يستجيب لمن دعاه ، وكالبهائم التي تسمع الصوت ولا تفقه المعنى ، فالميت وإن سمع الكلام وفقه المعنى ، فإنه لا يمكنه إجابة الداعي ، ولا امتثال ما أمر به ، ونهي عنه ، فلا ينتفع بالأمر والنهي ، وكذلك الكافر لا ينتفع بالأمر والنهي ، وإن سمع لخطاب ، وفهم المعنى كما قال تعالى ( ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم )
وقد جاءت النصوص دالة على أن الميت مع سماعه يتكلم ، فإن منكرا ونكيرا يسألونه فالمؤمن يوفق للجواب الحق ، والكافر والمنافق يضل عن الجواب ، ويتكلم أيضا في غير سؤال منكر ونكير ، وكل هذا مخالف لما عهده أهل الدنيا من كلام ، فالذي يسأل ويتكلم الروح ، وهي التي تجيب وتقعد وتعذب وتنعم ، وإن كان لها نوع اتصال بالجسد ، وقد ورد أن الرسول صلى الله عليه وسلك كان يسمع من هذا شيئا كثيرا، كما جاء في حديث ابن عباس أن الرسول صلى الله عليه وسلم مر بقبرين فقال ( إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير ..... ) رواه البخاري ومسلم
إن لتذكر الموت أثر كبير في إصلاح النفوس وتهذيبها ، ذلك أن النفوس تؤثر الدنيا وملذاتها وتطمع في البقاء المديد في هذه الحياة ، وقد تهفو إلى الذنوب والمعاصي ، وقد تقصر في الطاعات ، فإذا اكان الموت على بال العبد ، فإنه يصغر الدنيا في عينيه ، ويجعله يسعى في إصلاح نفسه وتقويم المعوج من أمره ، فقد روي عنه صلى الله عليه وسلم قوله ( أكثروا ذكر هادم اللذات : الموت ، فإنه لم يذكره في ضيق من العيش إلا وسعه عليه ، ولا ذكره في سعة إلا ضيقها) صحيح الجامع
قال القرطبي في التذكرة: واعلم أن الموت هو الخطب الأفظع ، والأمر الأشنع ، والكأس الذي طعمها أكره وأبشع ، وإنه الأهدم للذات ، والأقطع للراحات ، والأجلب للكريهات ، فإن أمرا يقطع أوصالك ، ويفرق أعضاءك ، ويهدم أركانك لهم الأمر الفظيع والخطب الجسيم وإن يومه لهو اليوم العظيم
وقد وعظ الله سبحانه رسوله بالموت فقال ( إنك ميت وإنهم ميتون ) وجاء في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( أتاني جبريل فقال يا محمد عش ما شئت ، فإنك ميت ، وأحبب من شئت فإنك نفارقه ، واعمل ما شئت فإنك مجزي به ، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل ، وعزه استغناؤه عن الناس) رواه الطبراني . ومن عظات الصحابي الجليل أبي الدرداء قوله : أضحكني ثلاث وأبكاني ثلاث : أضحكني مؤمل الدنيا والموت يطلبه ، وغافل ليس بمغفول عنه ، وضاحك بمليء فيه وهو لا يدري أأرضى الله أم أسخطه. وأبكاني فراق الأحبة محمد صلى الله عليه وسلم وحزبه ، وهو المطلع عند غمرات الموت ، والوقوف بين يدي الله ، يوم تبدو السريرة علانية ، ثم لا يدري إلى الجنة أو إلى النار
وقال أبو الدرداء أو أبو ذر : تلدون للموت ، وتعمرون للخراب ، وتحرصون على ما يفنى وتذرون ما يبقى
ونقل القرطبي عن يزيد الرقاشي أنه كان يقول لنفسه : ويحك يا يزيد من ذا يصلي عنك بعد الموت ؟ من ذا يصوم عنك بعد الموت ، من ذا يرضي عنك ربك بعد الموت ؟
ثم يقول: يا أهيا الناس ألا تبكون وتنوحون على أنفسكم باقي حياتكم ؟ من القبر طالبه، والقبر بيته والتراب فراشه والدود أنيسه ، وهو مع هذا ينتظر الفزع الأكبر ، كيف يكون حاله ؟
وقال الدقاق: من أكثر ذكر الموت أكرم بثلاثة: تعجيل التوبة ، وقناعة القلب ، ونشاط العبادة ، ومن نسي الموت عوجل بثلاث : تسويف التوبة ، وترك الرضى بالكفاف ، والتكاسل في العبادة
وقال أبو الدرداء : من أكثر ذكر الموت قل فرحه ، وقل حسده
وقد أكثر الشعراء من ذكر الموت والوعظ به، فقال أحدهم