السلام الله عليكم ورحمة الله وبركاته نسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يبارك لنا في أوقاتنا وينفعنا بما علمنا وأن ينفع بناأحبتي في الله الـحَـمـدُ للهِ رَبِّ الـعَـالـمِـيـنَ وَالـصَّلاةُ وَالـسَّلامُ عَـلَـى رَسُـولِـهِ الأَمِـيـن وآله الطيبين ورضى اللهم عن صحبه أجمعين وسلم الله تسليما كثيرا
أمَـا بَـعـدُ...
(ღ العولمة والإرجاء والقدس ღ) !!!
لفضيلة الشيخ العلامة حامد بن عبدالله العلي حفظه الله
بسم الله الرحمن الرحيم
العلاقة بين العولمة والإرجاء هي أن العولمة الثقافية والفكرية تنطلق من إرجاء والإرجاء هو التأخير تمسك الأمة الاسلامية خاصة بمعتقداتها اليقينية وثوابتها المحكمة ، على أنها الحق الذي ليس بعده إلا الضلال كما قال تعالى ( فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون ) ، وذلك لحساب ثقافة عالمية جديدة يبشر بها الغرب بقيادة أمريكا ، وهذه الثقافة ، كما وصفها أحد الكتاب (هوية بلا هوية) ، فلا يوجد فيها حق ولا ضلال ، ولاكفر ولا إيمان لاسيما في المعتقدات الدينية ، وغايتها النهائية ، أن تتلاشى الحدود الفاصلة بين الإسلام وغيره لئلا يكون له فضل عما سواه، ولهذا تسير فكرة وحدة الأديان في ركاب العولمة ، لأنها لا تعترف بإطلاق كلمة الكفر على ما يناقض دين الإسلام من الأديان والمعتقدات الأخرى ، ولهذا تشمئز قلوب المبشرين بالعولمة من كلمة التكفير حقا كان أو باطلا، حتى عبدة الأصنام لهم وجهة نظر ينبغي احترامها في نظر العولمة ، وكذلك الفكر الارجائي يتوافق من بعض الوجوه أقول من بعض الوجوه مع العولمة ، عندما تغبش أصوله الفاسدة رؤية الحد الفاصل بين الإيمان والكفر ، فكأن العولمة هي المرجئة الأم الكبيرة التي تولدت منها ابنتها ، ظاهرة الإرجاء في العالم الإسلامي .
وكذلك يدعو الفكر الارجائي إلى تأخير واضعاف منزلة العمل من الإيمان ، حتى يصير الإيمان صورة بلا معنى ولا أثر ، فمثلا في فكرهم أنه مهما كان فعل الفاعل موغلا في الكفر ، فانه لا يخرج المسلم من الإسلام إلا اذا اقترن بالجحود والتكذيب بالدين ، فحتى لو ابطل الشريعة كلها ، حتى بلغ أن أقر الشذوذ الجنسي وأجاز بتشريع أن يتزوج الرجل الرجل والمرأة المرأة في أسرة لها مشروعية قانونية كاملة ، فلا يكفر فاعل ذلك ممن يدعي الإسلام ، ما لم يصرح بلسانه أنه مكذب لما جاء به الرسول وليت شعري أي تكذيب للرسول أعظم مما صنع ، ومالذي يريده أعداء هذا الدين غير هذه النتيجة العملية لابطال الشريعة ، وهل يهمهم صرح بلسانه أم لا !!!
كما لا يخرج المسلم من الإسلام عند المرجئة تركه كل اتباع الرسول بجوراحه وراءه ظهريّا، والعولمة الثقافية كذلك تدعو إلى أن يدع المسلمون دولا وأفرادا ، حكاما ومحكومين عملهم بمعتقداتهم ، وألاّ ينهجوا في حياتهم كلها وفق عقيدتهم وشريعتهم كما أمر الله تعالى في القرآن ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ) وقال ( ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولاتتبع أهواء الذين لايعلمون ) ، فهنا تشابه آخر من بعض الوجوه فحسب فلاجرم إذن تساوقت ظاهرة الإرجاء ذلك الفكر الفلسفي القديم في تاريخ الفرق الاسلامية في العصور الأولى ، مع الدعوة إلى العولمة ، وهذا يصدق النظرية القائلة أن أفكار الفرق الضالة إنما يستحث ابتداعها وقوع الأمة تحت تأثير فكري لغزو خارجي أو اضطرابات سياسية أو اجتماعية تمر بها ، فتظهر هذه الآراء الضالة كالدمامل في الجسد المريض حينا من الدهر ، ولهذا فهي ليست ثابتة على أساس علمي راسخ ، بينما بقيت الأصول التي أجمع عليها السلف الصالح بحالها لم يؤثر فيها تقلب أحوال الأمة بين الضعف والقوة على مرالقرون ، لأجهزة مبنية على الكتاب والسنة ، وقد تمثل ذلك في خط أهل السنة والجماعة الذين ورد فيهم الحديث بمعناه ( لاتزال طائفة من أمتي على الحق لا يضرهم من خالفهم إلى يوم القيامة ) .
وأما قضية القدس فقد تبين للمتابعين لما يجري في "كمب ديفيد" أن المعركة الحقيقية إنما دارت رحاها حول القدس ، فاليهود لايريدون إسرائيل بلا قدس ، والسلطة الفلسطينية لو رضيت بعاصمة غير القدس لبقي ذلك عارا عليها لا ينساه التاريخ ، إذ كان المسجد الأقصى له منزلة عظيمة في عقيدة الأمة الاسلامية وثقافتها ، وتسليمه لليهود طوعا والرضى بذلك كارثة لاتوازيها كارثة، وهو ردة عن الدين لانه بيت من بيوت الله على أرض لنا مقدسة قدسها الله في كتابه الكريم ، فكيف نسلمها لتنجسها أقدام اليهود ونقرهم على ذلك طوعا بأيدينا، ولانه أولى القبلتين ومسرى الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولا تشد الرحال إلى مسجد في الإسلام إلا الحرمين والمسجد الأقصى كما ورد في الحديث ، فمن رضي بمنحه لليهود وأقرهم على احتلاله ارتد عن الإسلام ، ولست أخال أحدا يخالف هذا الحكم من علماء الإسلام ، اللهم إلا مرجئة العصر اذا أجرت أصولها الفاسدة ، ذلك أنهم سيقولون : لعل فاعل ذلك لم يستحل ، لعله غير مكذب ولا جاحد ... إلى آخر هذا الهذيان .
اللهم اجعل أعمالنا كلها صالحة؛ ولوجهك خالصة؛ ولا تجعل لأحدٍ فيها شيئاً، اللهم املأ حياتنا بالسعادة؛ واجعل موتنا في سبيلك شهادة؛ واكتب لنا الحسنى وزيادة، اللهم إنا نسألك شهادة في سبيلك ترضى بها عنا ياحي ياقيوم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين؛؛؛