بسم الله وبه أستعين
وأصلي واسلم على من أرسل رحمة للعالمين بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله وسراجا منيرا الذي أرسل بإخراج العباد من عبادة العباد إلى رب العباد وعلى آله الطيبين
الذي ابلغنا ان من ءامن بالله وحده وكفر بالطواغيث أستمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها
قال -عز وجل -" فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم "
وارضى اللهم عن صحابته الغر الميامين الذين اتبعوه وساروا بهديه وعلى سائر المسلمين والمسلمات
أما بعد ..
هذه خاطرة تجسد واقعا نعيشه لشيخنا الجليل حامد العلي حفظه الله وجعله شوكة في حلوق المبتدعة والضالين من الفرق الزائغة كالمرجئة وأحفاد العلقمي والعلمانيين والطواغيث ....
*** توبة "تكفيري" !! ***
لم يكن الشاب الممتلئ ثقة ووقارا، ويتوقد من عينيه بريق ذكاء لا يخفى على من يلمح حدتهما التي تعلن أيضا عن إصرار لايلين، لم يكن يحمل هم الزنزانة البائسة التي ألقوه فيها، ولا الأغلال التي غلوه بها، ولا مايتقيأ به ساجنوه من شتائم لا يتفوه بها حتى أدنى السوقة سفالة، ولا التعذيب النفسي والجسدي الذي قد غدا صبوحه وغبوقه مذ حل ضيفا على "جهاز الاستخبارات"، "المباحث "، "الأمن الخاص "، " مباحث أمن الدولة"، سمها ما شئت، فكلها تعني عنده شيئا واحدا فحسب : إنها أحد دلائل النبوة، في قوله صلى الله عليه وسلم ( صنفان من أهل النار لم أرهما بعد، قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا ) ، ولا يخفى ما في اقتران هاتين الظاهرتين، الطغيان السياسي والفساد الأخلاقي والمجتمعي الذي يبدأ بإفساد المرأة، من مغزى...
نعم لم يكن ذلك كله يهمه، بل كان غمه الذي أغمه أنه يقبع هنا بعيدا عن ساحات الجهاد التي عشقها عشقا يستحيل أن يبلغه وصف البلغاء، أو شعر الشعراء.
وبينما هو في هذا الحال، إذ سمع قرقعة باب الزنزانة الحديدي، فصوب نظره ثم، فإذا به يدخل عليه "المشلح المذهب"، فقد منح مكافأة إضافية على التفرغ لتتويب " التكفيريين " وله فوق ذلك على كل توبة "تكفيري" علاوة سخية من "ولي الأمر"، ألقى "المشلح" بنظره إلى الشاب المسلسل المستند بظهره إلى حائط الزنزانة متقرفصا، فرفع الشاب بصره فأبصرت عينه شيخا في عينيه حيرة وضياع.
وأحضر " ذنب البقرة " للـ"مشلح "، كرسيا وفيرا، فجلس عليه، ثم تنحنح وترنح وتبحبح، ثم قال بعدما جلجل جدران الزنزانة بخطبة، لم يتلعثم فيها بحرف، ولاجرم فقد أكثر من تكرارها حتى حفظتها جدران المعتقل، وقد تكلم فيها عن حقوق ولي الأمر، فلم يدع له أمرا إلا وعظمه، ولاعذرا في تهوين جرائمه إلا ولملمه، ثم عرج على بيان وجوب السمع والطاعة، وحذر من التكفير، وأنه أمر خطير، ثم بين ما للمعاهدين من حقوق، وما في مخالفة ولي الأمر من عقوق ومروق، ثم قال : لعل عندك بعض الشبهات، فهات ما عندك هات، فقد أمر ولي الأمر أنه بعد السياط والأغلال، نحاوركم لنخرجكم الضلال.
فأسرها الشاب في نفسه ولم يبدها له : قال " وما يدريك لعله يزكى أو يذكر فتنفعه الذكرى".
ثم رفع صوته : نعم عندي الشبهات، أحرقت كبدي، وأطالت في الحيرة أمدي، فإن كشفتها لي وتبت على يدك، هل إلى خروج من سبيل ؟
قال نعم : ولك أيضا من العطاء الجزيل، فقل ولا تخش من التطويل، وفصل فيما شئت، واذكر ما علمك من غرك من أهل التضليل.
قال : لقد علمونا أن الولاء والبراء أصل الدين، وهو والتوحيد في قرن متين، وأن أمة الإسلام أمة واحدة، تجمعها رابطة الإيمان، وهي توجب على المسلمين نصر بعضهم بعضا، وأن يكونوا صفا واحدا في مواجهة أعداءهم، ولا يحل لهم أن تفرقهم الحدود السياسية، ولا الانتماءات القومية، ولا التعصبات القبلية، يسعى بذمته أدناهم، وهم يد على من سواهم.
قال "المشلح" : هذا كل حق سديد، فقل ما هو جديد.
قال الشاب : علمونا أنه لا يطلق لقب " تكفيري " على وجه الذم إلا جاهل، ذلك أن هذا اللفظ مجمل، يحتمل الحق والباطل، فالتكفير منه فرض لا يصح الإسلام إلا به، فمن لم يكفر المشركين، أو شك في كفرهم، أو صحح دينهم فهو كافر، ومن الحكم بالتكفير، ما دل عليه ظاهر الدليل، وفي بعض مسائله نزاع، ومنه ما هو باطل، فلا يستعمل الذم بالمجمل والحالة هذه إلا جاهل مضلل.
قال " المشلح " : أرى أن هذا كله حق.
قال الشاب : وعلمونا أن القضية الجوهرية اليوم التي يجب أن تتجه إليها الجهود، هي أن أعداء الأمة اليهود، يغتصبون مقدساتنا، ويحتلون أرضنا في فلسطين، ويقتلون أهلنا فيها، ويخططون لهدم المسجد الأقصى، وأن الصليبيين المتصهينين حكام أمريكا، ما هم إلا صهاينة، جاءوا محتلين بلادنا، احتلالا سياسيا وعسكريا أيضا، وقد جاءوا أيضا يحمون اليهود، ويمدونهم بكل ما يحتاجونه للعدوان على الإسلام والمسلمين، ويسعون لإبقاء أمتنا ذليلة، بارتهان سياسة دولنا لمصالحهم، وثرواتنا لأطماعهم، ويحاربون ديننا، ويحولون بين شعوبنا وتحكيم شريعة الله فيهم.
قال "المشلح" لكن قالها هذه المرة بصوت ضعيف : صدقت.
قال الشاب : وعلمونا أنهم جاءوا محتلين العراق، في حملة صليبية، ليسرقوا ثرواته، ويعيثون فيه فسادا، ولإزالة أي تهديد قد يخيف أولياءهم اليهود، وليجعلوا سياسته الخارجية وفق مخططاتهم والصهاينة، وليحولوه إلى مرتع لكل زنديق، ومسرح لكل من له مع الشيطان عهد وثيق، متسترين بشعار الحرية الكاذبة، والديمقراطية الزائفة.
ثم قد صرحوا أيضا، أن ما سيفعلونه في العراق سيعمم على المنطقة بأسرها، وأظهروا إنهم إنما يريدون حماية اليهود، وأن يأتي اليوم الذي تطبع العلاقات بينهم وبين المسلمين، فتزال من عقيدة المسلمين ومناهجهم مفاهيم عداوة الكفار، والبراءة منهم، ويستبدلون ملتهم بدين الإسلام، وهذا إعلان حرب على أمتنا من أمة اليهود والصليب، لاتخفى على جاهل فضلا عن أريب.
هذه هي القضية الجوهرية اليوم.
وعلمونا أيضا أن إعانة الأعداء على مقاصدهم، ومظاهرتهم على المجاهدين الذين يتصدون لمخططهم، ردة عن الدين، وخيانة لأمة المؤمنين، وكفر برب العالمين.
قال " المشلح " وقد أطرق وتجللته هيبة الحق : صدقت.
قال الشاب : وقد علمونا أيضا أن كل مكسب تكسبه الحملة الصليبية التي يطلق عليها زورا وغرورا " الحملة الدولية على الإرهاب "، في أرض الإسلام، وكل احتلال لبقعة منه، وكل خطوة في اتجاه أهدافهم، تعني خسارة فادحة للإسلام والمسلمين، وظهورا أكبر للكفار على المؤمنين.
وكلما تأجلت المواجهة مع مخططهم الخبيث، جزعا منهم، أو شكا في نواياهم، أو ركونا إلى الدنيا، زاد حجم الخسائر التي تتكبدها الأمة بمرور الزمن، ثم إنها قد تتراكم بسبب تأجيل المواجهة، حتى يصبح أمر الإسلام مندرسا، وحال المسلمين منتكسا.
قال " المشلح" : عوذا بالله.
قال الشاب : وعلمونا أن عز الأمة في الجهاد، فهو سبيل الرشاد، ولهذا فأعداؤنا لا يحاربون مفهوما إسلاميا كمحاربتهم لمفهوم الجهاد، حتى إنهم يحاربون نفس اسمه، ويرومون انتزاعه من فكر الأمة وضميرها، ولهذا يشوهون سمعة المجاهدين، ويرمونهم بكل قبيح.
وعلمونا أن الخوف من الأعداء، والوهن منهم، والرضوخ لهم، لن يرضيهم، بل سيزيدهم طغيانا وطمعا فينا، ولهذا قال الله تعالى ( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير ) .
ولهذا قال تعالى ( وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين * وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين ) .
وعلمونا أن موتا كريما نقاتل فيه دون ديننا وعقيدتنا فننال الشهادة، خير من حياة ذليلة نصبح فيها عبيدا للطغاة.
وعلمونا أن التاريخ سيشهد على هذه الحقبة التي حلت فيه جيوش الصليب، بلاد الإسلام، فمن العار على هذه الأمة أن لا يذكر عن هذه الحقبة من أمر الجهاد شيئا، كأن الأمة تحولت إلى قطعان تساق إلى الذبح سوق السائمة، يخضع الزعماء للصلبان، ويبارك علماء السوء هذه الرزية والخذلان.
وعلمونا أن المسلم إنما يعيش لرسالة الإسلام، ويموت في سبيلها، ولايحني جبهته إلا لله تعالى، فهو بما يحمل من قلبه من توحيد الله، أعز من كل علج كافر، أو طاغوت خاسر، وأن المؤمن حر بإيمانه وعزة نفسه، وإن كبلوه بالحديد، وأوثقوه كالعبيد.
وهنا تحدرت الدموع من عيني الشيخ، وقد أزاح من منكبيه "المشلح"، ووضعه جانبا، ثم قال بصوت خاشع : حدثني عن ساحات الجهاد أيها الفتى الأفلح ؟
قال ساحات الجهاد وما أدراك ما هي، هناك زبدة لذة الطاعة، وخلاصة طمأنينة الإيمان، ولب سرور النفس، وجماع انشراح الصدر، هناك مقامات التوحيد الحق، حب الله تعالى في أحلى حلاوته، والصبر كله في أجلى صورته، والتوكل كله في أوثق حضوره وحضرته، والإحساس الدائم بالقرب من الله تعالى، وبعزة المؤمن، وإنك في تلك الساحات، لتحلق في سماء الحرية حقا، فترى الدنيا من تلك العلياء، تراها على حقيقتها حقيرة حقارة الطواغيت الذين يستعبدون بها ضعاف النفوس، وترى الآخرة كرأي العين، كأنك تعانق الحور العين، فليس للموت عندك معنى، سوى انتقال الأرواح إلى أرض الأفراح، حتى إنك تبكي إذا استشهد أخوك فاستراح، وحل في الجنان مع البيض الملاح، وبقيت حيا مع السلاح، ولولا قوله تعالى ( فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر ) لتفطر قلبك أسفا، على بقاءك في الدنيا مخلفا، وإنك تتلذذ بما يخالط شغاف قلبك من ذلك الشعور الغامر بأن الله تعالى يستعملك في جنوده، وأنك على ذروة سنام الإسلام، وأنك ستلحق بركب الشهداء، فتكون في تلك المنزلة العالية الظلال، كمرتبة كل شهداء الإسلام من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إلى الذين يقاتلون الدجال.
ولما رفع الشاب رأسه، أبصر لحية الشيخ وقد بللها الدمع الغزير، ثم قال الشيخ : يا فتى الجهاد، والله ما الحق إلا ما أنتم عليه، فخذني معك، فوالله لئن أموت على ما تموتون عليه خير مما نحن فيه، ليس لنا هم سوى الترقيع للطواغيت، وكلما رقعنا لهم خرقا، خرقوا آخر أكبر منه، حتى لم نجد لهم حلا إلا مذهب المرجئة الجهمية، ولئن سرنا وراءهم فسيخوضون بنا بحر الزنادقة الراوندية.
وهاهم يطلبون منا اليوم تحويل مسار الصراع، من كونه مواجهة بين الإسلام والصليبية، ومعركة بين المسلمين والصهاينة، ومنازلة مع مخطط صليبي صهيوني أعلن عزمه تغيير المنطقة وإعادة رسمها لتحقيق أطماعه، وهاهو يتدخل حتى في تغيير مناهجنا، ويطلب حذف أساس عقيدتها من ثقافتنا.
تحويل هذا إلى مسار آخر، يصبح فيه : العدو هم أهل الجهاد، والصراع الشرعي معهم لا مع الصليبين، ويعلن فيه كما يقول الصليبيون سواء أن المعركة مع "الإرهاب" هي الأهم والأولى، وأما ما يجري على الأمة فيما وراء هذا فلا يعنينا، فاحتلال فلسطين شأن فلسطيني، واحتلال العراق شأن العراقيين، واحتلال أفغانستان شأنهم هم، وأما ما يفرضه الصليبيون من إفساد في ديننا في بلادنا، فسينظر فيه " ولي الأمر " بما تقتضيه " المصلحة " !! ثم كلما نصر الله المجاهدين على الصليبين في واقعة، اشمأزت قلوب هؤلاء الطواغيت، وأعادوا حملة مكافحة " الإرهاب والتكفير " جذعة، وأقحمونا معهم في هذه البدعة، كأنهم يخشون من تعاطف المسلمين مع الجهاد والمجاهدين !!
قال الشاب : الحمد لله الذي بصر قلبك، ونور بصيرتك، وأبصرك الحق، ولئن أخرجني الله من هذه الغياهب، فستنطلق معي إن شاء الله، وتعانقا، ولما هم الشيخ بالخروج، تعلق به حارس الزنزانة وقد سمع كل حديثهما، فقال وألقى السوط من يده : ويحكما .. خذاني معكما.
[8-11-2003]