للشعوب نفسيات عامة تختلف عليها شتى المشاعر، وتتوارد عليها
الاحوال المتباينة، وتستقبل بها ما يعرض لها من المشكلات على النحو
الذي تشاء من حفاوة أو جمود، ومن استخفاف أو جد.
وهذه النفسية غامرة وقاهرة، تفرض مسلكها على الجماهير، فلا يكاد
ينجو من ضغطها احد، ولعلها هي التي اوحت بقول القائل :
وما انا الا من غزية ان غوت *** غويت وان ترشد غزية ارشد
وهي كذلك متغلغلة مطردة تتناقلها القرون ويتركها السابق للاحق،
ويبقى طابعها واضحا في التقاليد والعادات، وسائر عناصر البيئة.
والذي يهم الدعاة من هذا الكلام ان يعرفوا عوارض هذه النفسية في
امتنا ان يتبنوا الاصيل فيها والطارئ والخبيث فيها والطيب، فان ذلك
ادنى الى نجاح دعايتهم !
في بعض الاحيان تكون نفسية الأمة في حال استرخاء وفتور، نتيجة
لبعض الحوادث المفاجئة، فقلما تكترث لما يوجه اليها من نداء او تلتفت
لما يطلب اليها من عمل.
وفي بعض الاحيان تضطرم مشاعر الامة وتتحرك بقوة تستعصى على
كل توقف.
والدعاة الأذكياء يلبسون لكل حال لبوسها، فإذا لم يستطيعوا مواجهة
امر لم يعجزهم الالتفاف حوله والاحاطة به، فلا هم الذين يقفون في مد
السيل ولا هم الذين ينكشفون في جزره.
ربما تجد هذه الأمة هادئة، فسل نفسك :
أهو هدوء رضا ، أم هدوء انتظار ؟
وربما تجدها غرقت في جو نفعي مادي، فسل نفسك :
اهي سورة اللذة، ام هي النفرة من الألم ؟
ومن الخطأ ان تحسب الأعراض الطارئة دليل علة قديمة في نفسية
الامة، فيدخل اليأس الى قلبك، فالحقيقة أن جوهر الأمم قلما يلتوي،
وليس يتهم الأمم بالنقص الا من جهل أساليب العمل معها واستطال
أمده.
تحيتي