elhocine المدير العام
عدد الرسائل : 1049 العمر : 115 الدولــــــــــة : 0 دعــــــــاء : رسائل لكل العباد : اعملوا فكل ميسر لما خلق له (حديث)
الإنسان بالتفكير والله بالتدبير نقاط : 1 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 04/04/2007
| موضوع: السلام الاجتماعي ـ فضل الله الإثنين مايو 28, 2007 8:52 pm | |
| السـلام بيـن النـاس من القضايا التي يؤكّدها الإسلام في الكتاب والسنّة، مسألة السلام بين الناس، فالله يريد للناس أن يعيشوا في سلام، أن يعيش الإنسان في سلام مع نفسه، فلا يعيش حالة الصراع في داخل نفسه، ما يؤدي إلى إثارة القلق وإثارة الارتباك في كل مواقع أفكاره أو مشاعره وأحاسيسه، وأن يكون في سلام مع ربّه، بحيث تكون علاقته بالله تعالى علاقة العبودية المطلقة التي يتمثَّل فيها الخضوع لله تعالى في كلِّ ما أراده الله منه، وفي كلِّ ما أحبّه له، وفي كل ما كرهه وأبغضه له، بحيث يتطلّع إلى الله، فلا يعيش الحرب لله في تمرّده عليه، في توحيده وفي ربوبيته وفي شرائعه أو في حربه له بالمعصية، أن يعيش في سلام مع ربه، بحيث ينفتح على ربه بالمحبة التي يشعر فيها بالحب لله تعالى ليحصل على حب الله له، وهذا ما عبّرت عنه الآية الكريمة على لسان النبي(ص): {قل إن كنتم تحبّون الله فاتّبعوني يحببكم الله}.
فعلى الإنسان أن يسلك السبيل للحصول على محبة الله له، بأن يسير في الطريق الذي يحبه الله أن يسير فيه، وأن يكون في سلام مع الناس، بحيث يعيش معهم من دون أن يصدر منه أي عمل سلبي يؤذيهم في أمورهم الخاصة والعامة، ولعلّ ما يشير إلى ذلك ما ورد في الحديث: "المسلم مَن سلِم الناس من يده ولسانه"، بحيث لا يصدر منه للناس إلا كلمات الخير وفعل الخير، فلا يؤذيهم بلسانه، ولا يعتدي عليهم بيده، ويعمل على أن يحترمهم ليحترم أسبابهم وأسرارهم في عيوبهم وما إلى ذلك.
وعلى ضوء هذا، أراد الله للإنسان أن يعمل على أساس الإصلاح بين الناس في ما يختلفون فيه ويتنازعون في أمره، وهذا ما ورد في تحديد ما يتناجى به الناس، وذلك عندما يجلسون في عزلتهم في الليل أو في النهار ليتداولوا بعض الأمور، وقد أكّد الله سبحانه وتعالى الخير في النجوى في عناصر ثلاث، فقال: {لا خير في كثير من نجواهم} مما يتداولون فيه {إلا من أمر بصدقة}، بدعوة الناس إلى التصدّق الذي يمثل العطاء الإنساني لسدّ حاجة المحتاج وإغاثة المستغيث {أو معروف}، مما يصلح فيه أمر الناس فيما يأخذون به أو فيما يتركونه {أو إصلاح بين الناس}، بأن يعمد إلى دراسة المجتمع في خلافاته ومنازعاته وتعقيداته، ما يؤدي إلى النتائج السلبية التي تعمل على إيجاد اهتزاز في المجتمع وتفرق الناس بعضهم عن بعض، فيتدخل من أجل الإصلاح بين الناس ليجمع كلمتهم، وليسدّ الثغرات فيما بينهم، ليعودوا إلى حالة السلام بعد أن كانوا يعيشون حالة الحرب، {ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله}، أي من كان ينطلق في تأكيد هذه المفردات من أجل الحصول على رضا الله، لا من خلال حالة مزاجية أو من خلال بعض الأطماع الذاتية، {فسوف نؤتيه أجراً عظيماً} [النساء:114]، لأن الله سبحانه وتعالى يعطي الأجر الكبير من رحمته ولطفه ورضوانه ونعيمه لمن يعمل في هذا الاتجاه، وهو اتجاه تحقيق السلام بين الناس.
وقد ورد في الحديث عن الإمام جعفر الصادق(ع)، اعتبار السعي في الإصلاح بين الناس، صدقة، فكما تتصدّق بمالك، فإنك تتصدّق بالإصلاح بين الناس، يقول(ع): "صدقة يحبَّها الله: إصلاحٌ بين الناس إذا تفاسدوا"، أي إذا فسدت العلاقات فيما بينهم، "وتقارب بينهم إذا تباعدوا"، إذا بعُد أحدهم عن الآخر بفعل الخلافات التي تؤدي إلى ابتعاد الناس بعضهم عن بعض.
وقد ورد في وصية الإمام أمير المؤمنين(ع) لولديه الإمامين الحسنين(ع) في آخر حياته ولمن سمع كتابه هذا: "وعليكما بإصلاح ذات البين، فإني سمعت جدكما رسول الله(ص) يقول: إصلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام"، والمقصود بها الصلاة المستحبة لا الواجبة، والصيام المستحب لا الواجب، باعتبار أن الخلاف بين الناس والنـزاع والحرب فيما بينهم يخرب الصلاة والصيام، لأنه يخرِّب النظام الروحي، كما في النظام الاجتماعي للمجتمع.
ولهذا، فإن هذه الوصية تدعو الناس إلى أن يأخذوا بأسباب إصلاح ذات البين فيما بينهم، ولعلّ التحية الإسلامية التي أراد الله للمسلمين أن يحيّوا بعضهم بعضاً بها هي التحية الموحية بالسلام، وهي أفضل تحية عرفها الإنسان، لأن الناس يحيّيون بعضهم بعضاً بتحايا لا تدل على قاعدة تشمل الإنسان في ما يرتفع بالواقع ويضم بعضه إلى بعض، وهي كلمة السلام عليك. هنا في هذه المسألة، نلاحظ أنك عندما تلتقي بإنسان آخر، فإنك تحييه بكلمة السلام لتقول له أنا مسالم لك، سلام عليك، يعني أن علاقتي بك هي علاقة السلام لا علاقة الحرب، فأنا لا أؤذيك، لا أسبك، لا أعتدي عليك، لا آكل حقّك، بل أعيش معك عيشة السلام كما يسالم الإنسان الإنسان الآخر.
ولذلك جعل الله سبحانه وتعالى أجر الذي يحيي أخاه بالسلام أجراً كبيراً، فقد ورد في الحديث عن أئمة أهل البيت(ع): "للسلام سبعون حسنة"، يعني هذا السلام بين إنسان وآخر، "تسع وستّون للمبتدىء، أي للذي يبدأ بالسلام "وواحدة للرادّ" إذا قال له وعليك السلام، وإن أحسن وقال وعليكم السلام ورحمة الله، فله عشر للذي يقول وعليكم السلام ورحمة الله، أو عليكم السلام والإكرام. هل هذه أفضل أم "مرحباً أو صباح الخير"، وبعضهم صار يحيِّي بالإنكليزية أو بالفرنسية حتى يظهر نفسه أنه متقدّم أو متمدّن، من جهة أنه "كل فرنجي برنجي" كما يقال، لأننا نحب أن نستعمل الكلمات الأجنبية حتى نظهر أنفسنا بأننا متحضّرون ومتمدنون، وهذا يدلُّ على عدم الثقة بالنفس، ثم إن كلمة السلام هي تحية أهل الجنة.
الإنسان إذا أراد أن يتفاءل ويتعلم فليحيي تحية أهل الجنة، الله تعالى يقول: {وتحيّتهم فيها سلام} [يونس:10]، يعني الآن تحية أهل الجنة هي تحية السلام، الله يكلمنا عن الملائكة عندما يدخلون على المؤمنين ويقومون بزيارتهم {جنّات عدنٍ يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم والملائكة يدخلون عليهم من كل باب*سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار} [الرعد:23-24]، أول ما يستقبلهم الملائكة، يستقبلونهم بكلمة السلام.
ولهذا ينبغي أن نؤكد هذه المسألة، أن نعلِّم أطفالنا ونساءنا وشبابنا وشيوخنا، أن لا يتركوا هذه التحية، لأنها توحي بمعانٍ روحية اجتماعية أخلاقية، تجعل الناس يعيشون هذا المفهوم الإسلامي، وتدرّبهم على أنماط حياة أهل الجنة، لأننا نحتاج إلى أن نتدرّب على حياة الجنة، ولذا يقول الله بالمحبة، {ونزعنا ما في صدورهم من غل}، من حقد، {أخواناً على سرر متقابلين} [الحجر:47]، لأنه إذا صار بناؤنا أن يبقى الواحد منا يحقد على الآخر، أو يبغضه أو يتنازع معه، فإننا بذلك نخرّب الجنة. وعلينا أن نعمّر الجنة عندما ندخلها. والحمد لله رب العالمين.
http://arabic.bayynat.org.lb/mafahim/30092004.htm
| |
|