المقيت
قال الله تعالى : ( وكان الله على كل شئ مقيتاً )
فهو سبحانه الذي أوصل إلى كل موجود ما به يقتات ،
وأوصل إليها أرزاقها وصرفها كيف يشاء ،
بحكمته وحمده . قال الراغب الأصفهاني : القوت ما يمكن الرمق وجمعه: أقوات قال الله تعالى :\
( وقدر فيها أقواتها ) وقاته يقوته قوتاً : أطعمه قوته ، وأقاته يقته جعل له ما يقوته وفي الحديث (كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت) قال تعالى :
( وكان الله على كل شئ مقيتاً ) قبل : مقتدراً ، وقيل :
شاهداً ، وحقيبته قائماً عليه يحفظه ويقيته ، وقال في القاموس المحيط : المقت :
الحافظ للشئ ، والشاهد له والمقتدر ، كالذي يعطي كل أحد قوته ،
وقال بن عباس رضي الله عنهما : مقتدراً أو مجازياً ، وقال مجاهد :
شاهداً وقال قتادة حافظاً وقيل : معناه على كل حيوان مقيتاً : أي يوصل القوت إليه ،
وقال ابن كثير ( وكان الله على كل شئ مقيتاً ) أي حفيظاً ، وقال مجاهد :
شهيداً ، وفي رواية عنه : حسيباً ، وقيل : قديراً ، وقيل :
المقيت الرازق ، وقيل مقيت لكل إنسان بقدر عمله .
الوكيل
قال الله تعالى : ( الله خالق كل شئ وهو على كل شئ وكيل )
فهو سبحانه المتولي لتدبير خلقه ، بعلمه ،
وكمال قدرته ، وشمول حكمته ، الذي تولى أوليائه ،
فيسرهم لليسرى ،
وجنبهم العسرى ، وكفاهم الأمور .
فمن اتخذه وكيلاً كفاه ( الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور ) .
ذو الجلال والإكرام
أي : ذو العظمة والكبرياء ، وذو الرحمة ،
والجود ، والإحسان العام والخاص.
المكرم لأوليائه وأصفيائه ، الذين يجلونه ،
ويعظمونه ، ويحبونه ، قال الله تعالى : ( تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام ) .
جامع الناس ليوم لاريب فيه
قال الله تعالى : ( ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد) فالله سبحانه وتعالى هو جامع الناس
وجامع أعمالهم وأرزاقهم ، فلا يترك منها صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها .
وجامع ما تفرق واستحال من الأموات الأولين والآخرين ، بكمال قدرته ، وسعة علمه .
الحق
الله عز وجل هو الحق في ذاته وصفاته . فهو واجب الوجود ، كامل الصفات والنعوت ،
وجوده من لوازم ذاته . ولا وجود لشئ من الأشياء إلا به فهو الذي لم يزال ،
بالجلال ، والجمال ، والكمال موصوفاً . ولم يزل ولا يزال بالإحسان معروفاً .
فقوله حق ، وفعله ، حق ، ولقاؤه حق ، ورسله حق ، وكتبه حق ، ودينه هو الحق ،
وعبادته وحده لا شريك له ، هي الحق ، وكل شئ ينسب إليه ، فهو حق . (ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل ، وأن الله هو العلي الكبير) .
( وقل الحق من ربكم ، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر )
(فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال )
(وقل جاء الحق وزهق الباطل ، إن الباطل كان زهوقاً)
وقال الله تعالى ( يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين)
فأوصافه العظيمة حق ، وأفعاله هي الحق ،
وعبادته هي الحق ، ووعده حق ،
ووعيده وحسابه هو العدل الذي لا جور فيه .
الجميل
صلى الله عليه وسلم ( إن الله جميل يحب الجمال) فهو سبحانه جميل بذاته ، وأسمائه ، وصفاته ، وأفعاله ، فلا يمكن مخلوقاً أن يعبر عن بعض جمال ذاته ، حتى أن أهل الجنة مع ما هم فيه من النعيم المقيم واللذات والسرور والأفراح التي لا يقدر قدرها إذا رأوا ربهم وتمتعوا بجماله نسوا ما هم فيه من النعيم ، وتلاشى ما هم فيه من الأفراح ، وودوا أن لو تدوم هذه الحال ، واكتسبوا من جماله ونوره جمالاً إلى جمالهم ، وكانت قلوبهم في شوق دائم ونزوع إلى رؤية ربهم ويفرحون بيوم المزيد فرحاً تكاد تطير له القلوب ، وكذلك هو الجميل في أسمائه ، فإنها كلها حسنى بل أحسن الأسماء على الإطلاق وأجملها ، قال تعالى ( ولله الأسماء الحسنى فأدعوه بها ) وقال تعالى (هل تعلم له سمياً ) فكأنها دالة على غاية الحمد والمجد والكمال ،
لا يسمى باسم منقسم إلى كمال وغيره ، وكذلك هو الجميل في أوصافه ، فإن أوصافه كلها أوصاف كمال ونعوت ثناء وحمد ، فهي أوسع الصفات وأعمها وأكثرها تعلقاً ، خصوصاً أوصاف الرحمة ، والبر ، والكرم ، والجود ، وكذلك أفعاله كلها جميلة ، فإنها دائرة بين أفعال البر والإحسان التي يحمد عليها ويثني عليه ويشكر ، وبين أفعال العدل التي يحمد عليها لموافقتها للحكمة والحمد ، فليس في أفعاله عبث ، ولا سفه ، ولا سدى ، ولا ظلم ، كلها خير ، وهدى ورحمة ، ورشد ، وعدل ( إن ربي على صراط مستقيم) فلكماله الذي لا يحصى أحد عليه به ثناء كملت أفعاله كلها فصارت أحكامه من أحسن الأحكام ، وصنعه وخلقه أحسن خلق وصنع : أتقن ما صنته (صنع الله الذي أتقن كل شئ) وأحسن ما خلقه (الذي أحسن كل شئ خلقه) ( ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون) والأكوان محتوية على أصناف الجمال ، وجمالها من الله تعالى فهو الذي كساها الجمال وأعطاها الحسن ، فهو أولى منها لأن معطي الجمال أحق بالجمال ، فكل جمال في الدنيا والآخرة باطني وظاهري خصوصاً ما يعطيه المولى لأهل الجنة من الجمال المفرط في رجالهم ونسائهم ، فلو بدأ كف واحدة من الحور العين إلى الدنيا ، لطمس ضوء الشمس كما تطمس الشمس ضوء النجوم ، أليس الذي كساهم ذلك الجمال الذي ليس كمثله شئ فهذا دليل عقلي واضح مسلم المقدمات على هذه المسألة العظيمة وعلى غيرها من صفاته ، قال تعالى (ولله المثل الأعلى) فكل ما وجد في المخلوقات من كمال لا يستلزم نقصاً ، فإن معطيه وهو الله أحق به من المعطي بما لا نسبة بينه وبينهم ، كما لا نسبة لذواتهم إلى ذاته وصفاتهم إلى صفاته ، فالذي أعطاهم السمع والبصر والحياة والعلم والقدرة والجمال أحق منهم بذلك ، وكيف يعبر أحد عن جمــاله وقــد قال أعلم الحق به : ( لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنين على نفسك) . (وقال صلى الله عليه وسلم وحجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه) فسبحان الله وتقدس عما يقولوه الظالمون النافون لكماله علواً كبيراً ، وحسبهم مقتاً وخساراً أنهم حرموا من الوصول إلى معرفته والابتهاج بمحبته . قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح (لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله ، يجعلون له الولد وهو يعافيهم ويرزقهم) وقال أيضاً في الصحيح : قال الله تعالى : ( كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك . وشتمني ابن آدم ولم يكن له ذلك ، فأما تكذيبه إياي فقوله : لن يعيدني كما بدأني ، وليس أول الخلق بأهون على من إعادته ، وأما شتمه إياي فقوله إن لي ولداً وأنا الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤاً أحد ) . فالله تعالى يدر على عباده الأرزاق المطيع منهم والعاصي ، والعصاة لا يزالون في محاربته وتكذيبه وتكذيب رسله والسعي في إطفاء دينه ، والله تعالى حليم على ما يقولون وما يفعلون ، يتتابعون في الشرور وهو يتابع عليهم النعم وصبره أكمل صبر لأنه عن كمال قدرة وكمال غنى عن الخلق وكمال رحمة وإحسان ، فتبارك الرب الرحيم الذي ليس كمثله شئ الذي يحب الصابرين ويعينهم في كل أمرهم