elhocine المدير العام
عدد الرسائل : 1049 العمر : 115 الدولــــــــــة : 0 دعــــــــاء : رسائل لكل العباد : اعملوا فكل ميسر لما خلق له (حديث)
الإنسان بالتفكير والله بالتدبير نقاط : 1 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 04/04/2007
| موضوع: ((( من آفات القراء ))) الأربعاء مارس 05, 2008 5:40 pm | |
| بسم الله الرحمان الرحيمالسلام عليكم ورحمة الله وبركاتهمن آفات القراء | | | أحمد بن عبد الرحمن الصويان
اشــتـهـر عـبـد الـرحمن بن أبي حاتم الرازي صاحب الكتاب العظيم: (الجرح والتعديل) بملازمته لوالده، وكثرة أخذه عنه، وكان يقول: "ربما كان يأكل وأقرأ عليه، ويمشي وأقرأ عليه، ويدخل الخلاء وأقرأ عليه، ويدخل البيت في طلب شيء وأقرأ عليه"(1).
إنَّ الـقـــراءة هي إحدى الوسائل المهمة لاكتساب العلوم المختلفة، والاستفادة من منجزات المتقدمين والمـتـأخــرين وخبراتهم. وهي أمر حيوي يصعب الاستغناء عنه لمن يريد التعلم، وحاجة ملحَّة لا تقل أهمية عن الحاجة إلى الطعام والشراب. ولا تقدُّم للأفراد ـ فضلاً عن الأمم والحضارات ـ بدون القراءة؛ فبالقراءة تحيا العقول، وتستنير الأفئدة، ويستقيم الفكر.
والـقــراء المنهجيون هــم ـ في الغالب ـ النخبة المتميزة، والصفوة المؤثرة في التكوين الفكري والبناء الـثـقـافي والمعرفي للأمة، ولهذا كانت العناية بالقراء عناية بروح الأمة وقلبها الحي النابض القادر على البناء والعطاء.
والقراءة ملكة وفنّ لا يجيده كلّ أحد؛ فكم من القراء الذين يبذلون أوقاتاً طويلة في القراءة؛ ومع ذلك فإن حصيلتهم وإفادتهم منها قليلة جداً..!
وفي حلقتين اثـنـتـيـن ســأذكــر ـ مستعيناً بالله ـ بعض الآفات التي قد تعرض لبعض القراء خاصة في بداية سلوكهم لهذا السبيل.
الآفة الأولى: قلة الصبر على القراءة والمطالعة:
وهذه آفة قديمة ازدادت في عصرنا هذا خصوصاً مع كــثرة الصوارف والمشغلات الأخرى؛ حيث أصبح كثير من القراء لا يقوى على مداومة القراءة، ويفتقد الأناة وطول النفس، ولا يملك الجَلَد على المطالعة والبحث والنظر في بــطـون الكتب وكنوز العلم والمعرفة، وحينما يبدأ القارئ بالاطلاع على الكتاب سرعان ما يضعه جانباً ويشتغل بأمر آخر.
إنَّ الساحة الفكرية اليوم تعاني من خلل ظاهر في بـنـاء ملكة القراءة، وها أنت ترى كثيراً ممن يدخلون في (زمرة المثقفين!) من أصحاب الــشـهــادات الجامعية، بل حتى أصحاب الشهادات العليا، ومع ذلك تفاجأ بأن كثيراً منهم ربما يعجز عن إتمام قراءة كتاب واحد خارج تخصصه..!
إننا نعاني من أزمة حادة في عزوف كثير من الـمـثـقـفـيـن ـ فضلاً عن العامة ـ عن القراءة والبحث، مما أدى إلى اضطراب في التفكير العام، وسـطـحـيــة مفرطة في كثير من الرؤى، وضحالة علمية حجبت منافذ البصيرة.
وترويض النفس وتربيتها وقسرها على القراءة من أنجح السبل لـبـنـاء تلك الخَلَّة الكريمة، خاصة عند نعومة الأظفار وبداية الطلب. وقد يعجز المرء في الـبـدايــة، أو تصيبه السـآمـة والملل، ولكنه بطول النفس وسعة الصدر والعزيمة الجادة سوف يكتسب بإذن الله ـ تعالى ـ هـذه المـلـكـة حتى تصبح ملازمة له لا يقوى على فراقها، ولهذا قال رسول الله صلى الله عـلـيـه وسـلـم: "إنما العلم بالتعلم"(2)، وتكوين هذه العادة وغرسها في النفس من أولى ما يجب الاعـتـنــاء بــه لدى القراء والمربين.
ولست أدري كيف نروم ـ معاشرَ الدعاة ـ العزة والتمكين، ونتطلع إلى تغيير مسار التاريخ، وهممنا تتقاصر عن الانكـبـاب علي كـتـب الـعـلـم والمعرفة، ونرضى بالقليل من المعلومات العائمة المفككة التي نحصل عليها من هنا أو هناك..؟!
وانظر إلى تلك المزية الجليلة التي تسنمها أسلافـنـا في هذا الباب، فها هو ذا مثلاً الحسن الؤلؤي يقول: "لقد غبرت لي أربعون عاماً ما قـمــتُ ولا نمت إلا والكتاب في صدري"(3)، وحدَّث ابن القيم فقال: "أعرف من أصابه مرض من صــداع وحـــمـى، وكان الكتاب عند رأسه، فإذا وجد إفاقة قرأ فيه، فإذا غلب عليه وضعه"(4).
الآفة الثانية: ضعف التركيز: كثير من القراء يقرأ بعينيه فقط، ولا يـقـرأ بـفـكـره، ولا يستجمع قدراته العقلية في التفهم والـبـحـث. وربـمـا جـــال الـقـارئ بعقله يميناً ويساراً، وطافت بخاطره ألوان من الهموم والمشاغل، ثم يفاجَأ بأنه قضى وقتاً طويلاً لم يخرج فيه بمادة علمية تستحق الذكر.
وبعض القراء يبدأ بهمة ونشاط وتـركــيـز، ولـكـنـه بـعـد أن يقرأ قليلاً من الصفحات يبدأ بالتململ التدريجي، حتى ينفلت الزمام من يديه، ويـستـيـقـظ فجأة بعد أن سبح في عالم رحب من الخواطر الشخصية البعيدة عن مادة الكتاب، قال طـــه حسين: "كثيراً ما نقرأ لـنـقـطـــع الوقت لا لنغذو العقل والذوق والقلب. وكثيراً ما نقرأ لندعو النوم لا لنذوده عن أنفسنا"(5).
وقد يؤدي ضعف التركيز أحياناً إلى اكتساب معلومات مضطربة أو مغلوطة أو ناقصة، مما يقود إلى نتيجة عكسية تضر القارئ ولا تنفعه، وقد يتعدى ضرره إلى غيره..!
إن امتلاك القدرة على التركيز واستحضار الفكر امتلاك لزمام المادة العلمية، وهي السبيل الـرئــيــس للوصــول إلى الفهم والإتقان. ويختلف مقدار التركيز المطلوب في القراءة حسب طبيعة الكتاب المقروء؛ ومستواه، وحسب مستوى القارئ الثقافي أيضاً، وحسب الهدف من القراءة؛ فمقدار التركيز الواجب لقراءة كتاب علمي متخصص يختلف عن التركيز المطلوب لقراءة قصة أدبية أو كتاب في الثقافة العامة.
وهذا يقودني إلى تقسيم القراءة إلى نوعين:
النوع الأول: القراءة التصفحية: وهي الـقــراءة التي يريد منها القارئ الاطلاع على مــادة الكتاب وموضوعاته الرئيسة، ويريد منها الـتـعرف من حيث الجملة على أبوابه وفصوله، ومنهج المؤلف وطريقة عرضه. وهذه الطريقة تصـلــح أن تكون مقدمة للقراءة، وبعدها يـقرر القارئ جدوى إعادة قراءة الكتاب بتركيز، أو الاكـتـفــاء بالتصفح السريع. والاكتفاء بذلك يصلح لتكوين معلومات عامة، ولكنه لا يبني علماً راسخاً.
الـنـوع الـثـاني: القراءة العلمية: وهي القراءة المركزة التـي يستجيب فـيها الــقـــارئ لمادة الكتاب، ويتفاعل معها، ويرمي إلى تحليلها وبيان أفكارها وأهدافها، وقــد يدخل في حوار إيجابي معها. وهذا النوع من القراءة هو الطريق الصحيح للبناء العلمي والمـعـرفي. ولأهميتها في تثبيت المعلومات، ولأهمية الكتاب المقروء قد يرى القارئ إعادة قراءته عـــــدة مـــرات لترسيخ المكتسبات العلمية التي تحصَّل عليها، ولاكتساب معلومات أخرى ربمـــا لم تتيسر لـه فـي القــراءة الأولى، وها هو ذا المزني يقرأ كتاب (الرسالة) للإمام الشافعي خمسمائـــة مرة(6)!
وآفة كثير من القراء أنَّ أحدهم قد يعمد إلى قراءة الكتاب العلمي العميق قراءة تصفحية كما يـقـــرأ الـجـــريـدة، ويكون همه الانتهاء من الكتاب، ولك أن تتخيل ماذا يمكن أن تكون حصيلة القارئ حينما تكون هذه هي طريقته دائماً في القراءة..!! وقد ذكر العلماء والتربويون أسباباً كثيرة تعين القارئ على التركيز، مثل: اختيار الأوقات المناسبة، والأماكن الملائمة الخالية من الصوارف، وأن يكون خالي الذهن، ولديه الاستعداد العقلي والنفـسـي الذي يعينه على استجماع قدراته الفكرية.. ونحو ذلك مما يطول وصفه، ولكن يجمعها وصف واحـــد وهو: أن يكون جاداً حريصاً ذا همة صادقة؛ فمن امتلك هذا الوصف حرص على تذليل كافة العقبات التي قد تعرض له. أسأل الجبار لي ولكم الإخلاص في القول و العمل الهوامش: (1) سير أعلام النبلاء (13/251). (2) أخرجه: الخطيب في تاريخه (9/127)، وانظر السلسلة الصحيحة (1/605). (3) جامع بيان العلم وفضله (2/1231). (4) روضة المحبين، ص 70. (5) خصام ونقد، ص 6. (6) مقدمة الرسالة، ص 4، وما أجمل قول الإمام البخاري: "لا أعلم شيئاً أنفع للحفظ من نهمة الرجل ومداومة النظر" هدي الساري، ص 488. Cd مجلة البيان
|
| |
|